رؤية التحديث الاقتصادي لقطاع الطاقة طموحات وفرص وتحديات

2022-8-29
عمان - خولة أبوقورة

أصدرت الحكومة الأسبوع الماضي عبر الموقع الإلكتروني لرؤية التحديث الاقتصادي، «خريطة الطريق لقطاع الطاقة العابرة للحكومات 2022–2033».

وتضمنت هذه الخريطة الخطة التفصيلية للرؤية لتحديث قطاع الطاقة واشتباكه مع القطاعات الأخرى، والأهداف الاستراتيجية لتطويره وتوصيفا للفرص والأولويات والتحديات ونقاط القوة والضعف وسبل التمكين لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.

هذه الخريطة وفق خبراء، ليست الأولى ولا هي بالجديدة في هذا الحقل. غير أن السؤال يتمحور حول مدى الجدية في تنفيذها والإرادة لدى الحكومة الحالية والحكومات القادمة لإدامة تنفيذ أهدافها وفق الإطار الزمني الموضوع لها، مع تمنيات بألا تلقى هذه الاستراتيجية مصير سابقاتها من النسيان والتلكؤ، خصوصا وأننا لا نملك ترف الوقت في عالم متسارع التغيرات في مختلف الجوانب وبخاصة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية.

تحديث قطاع الطاقة يشتبك مع القطاعات الأخرى، غير أن الأهم هو أنه يدخل بقوة في المعضلات الأساسية التي تواجه المجتمع والدولة والاقتصاد الأردني..

وعلى رأس هذه المعضلات: البطالة، ويلاحظ في هذا المجال أن الفرص التي يوفرها القطاع قليلة جدا مقارنة بغيرها من القطاعات (نحو 9.5 ألف وظيفة فقط).

كما أن تخفيض كلف الطاقة يؤثر إيجابا في نمو جميع القطاعات الأخرى وبخاصة الصناعة والتجارة والنقل والسياحة، وتحسين كفاءتها واستخدامها يوفر الجهد والنفقات ويزيد القدرة الشرائية للمواطنين بما يحرك عجلة نمو الاقتصاد إلى الأمام.

الاستراتيجية ركزت بوضوح على أهمية تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، وهي إشكالية أخذت على مدار العقود الأخيرة حيزا واسعا من الجدل، في ظل اتهامات متبادلة وإلقاء كل طرف مسؤولية تعثر التشبيك بين القطاعين على الطرف الآخر.

وهذا يشكل تحديا حقيقيا للاستراتيجية ورؤية التحديث في التغلب على هذه المعضلة والانتقال الحقيقي إلى الاشتباك الإيجابي بين القطاعين ووقف إهدار الفرص المتاحة.

الاتحاد الأوروبي أحد أبرز الداعمين لخطط تطوير قطاع الطاقة (160 مليون يورو خلال السنوات الـ12 الأخيرة. غير أن الدعم الأوروبي يركز على «التغير المناخي»، فيما أولوية الحكومة الأولى هي التشغيل.

الرؤية بالمجمل طموحة، غير أن هذا لا يمنع من الحوار حول أولوياتها وحول أهدافها وخطط تنفيذها ومراقبة حسن التنفيذ بصورة مستمرة لتحقيق أقصى ما يمكن من هذه الأهداف.

"الرأي» حاورت عددا من الخبراء حول خريطة الطريق، وقطاع الطاقة بوجه عام للوقوف على ما يمكن أن تصل إليه الرؤية، وما إذا كان هناك ما يجب التنبيه إليه أو التحذير منه أو الوقوع فيه من زلل أو خطأ لضمان حسن التنفيذ..

اتفق خبراء على أهمية تعزيز أمن الطاقة في المملكة لتوفير طاقة أكثر كفاءة بأسعار مناسبة وجودة عالية من خلال مصادر الطاقة المتجددة خصوصا وأن المملكة غنية بها وبخاصة طاقة الشمس وطاقة الرياح، كما أكدوا أهمية «كهربة الاقتصاد» ( بمعنى زيادة الاعتماد على الكهرباء في الأنشطة الاقتصادية) باعتبار الطاقة قطاعا ممكّنا لجميع القطاعات.

كما دعا الخبراء إلى ضرورة تطبيق الخطط والاستراتيجيات على أرض الواقع وأن لا تبقى حبرا على ورق كسابقاتها من الخطط والاستراتيجيات.

أهداف ممتازة.. لكن، خطة العمل؟؟ وفي هذا الشأن يقول عضو مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة ومقرر لجنة الطاقة في ورشة التحديث الاقتصادي الدكتور ماهر مطالقة إن الخطط والتقارير والاستراتيجات «كانت موجودة مسبقا وهي كافية ووافية، ونحن جمعناها ووضعنا لها إطارا زمنيا وحددنا الجهات المنفذة وخطة العمل».

ورأى د. مطالقة أن الأهداف الاستراتيجية الخمسة «ممتازة»، لكن خطة العمل والإطار الزمني «غير طموحين ولا يتماشيان مع السوق بوتيرة عالية ولا يواكبان التطور التكنولوجي ولا الانبعاثات، فنحن كقطاع خاص نتطلع دوما إلى الخطط الطموحة ويهمنا الإطار الزمني الجريء والسريع».

التوجه نحو «كهربة الاقتصاد" وشدد على ضرورة «كهربة الاقتصاد» وأن نتبنى التقنيات الحديثة وبخاصة قطاع النقل، وأن نتحول من استخدام السيارات العادية إلى سيارات الكهربائية حتى نقلل الكلف.

ومع أنه أقر بأن الحكومة قد تخسر إيرادات من المشتقات النفطية والضرائب المفروضة عليها، لكنه أوضح أنه في المقابل ستزداد قدرة المواطنين على الادخار، ما يزيد الإنفاق ويحسن القدرة الشرائية، وهو الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى تسريع دوران عجلة النمو الاقتصادي ويحرك الاقتصاد الوطني.

وأشار د. مطالقة إلى الضريبة المفروضة على سيارات الكهرباء ولاحظ أن التعرفة الكهربائية لشحنها عالية و"اقتصادنا يئن» في ظل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، فأصبح الاقتصاد غير منافس ومعظم الدخل يذهب إلى النقل. لذلك «يتوجب التوجه إلى السيارات الصديقة للبيئة وبخاصة السيارات الكهربائية».

كما لفت د. مطالقة إلى أهمية أن نكون أذكياء في موضوع إدارة الطلب والتخطيط والتصرف الصحيح لاستغلال مواردنا الضئيلة.

ومثّل لذلك بالإشارة إلى أن الفترة الصباحية تكون الأحمال منخفضة، بذلك «فإن أفضل وقت لشحن السيارات الكهربائية هو في النهار لسحب الكهرباء الزائدة، فتصبح البطارية بمثابة أحد أنواع بطاريات التخزين.

ويلفت مطالقة إلى أهمية تبني التكنولوجيا الحديثة وأنظمة الشبكة الذكية، وبين ان في الخطط السابقة الذكية كان بحلول 2030 أن يتم تركيب مليوني عداد ذكي في جميع أنحاء المملكة، لكننا في الخطة الجديدة قمنا بتقديمه إلى نهاية 2024، وأكد مطالقة أهمية هذه الخطوة التي من خلالها نستطيع أن نبني البيانات ونعرف كيف تعمل التعرفة الذكية وآلية التسعير، وشدد على أن العدادات الذكية هي «الخطوة الأولى للوصول لما يدعى الشبكة الذكية».

الأهداف الاستراتيجية للخطة وعدّد مطالقة الأهداف الاستراتيجية الخمس: تنويع مصادر الطاقة والثاني تخفيف الكلف على الاقتصاد حتى يتمكن من المنافسة المحور الثالث رفع كفاء الطاقة «ولكن قبل أن أقوم بإيجاد مصادر الطاقة المتجددة من الأجدى رفع الكفاءة».

أما المحور الرابع فهو زيادة خليط حصة المصادر المحلية، ويوضح مطالقة هنا أن لدينا ثلاثة مصادر محلية للطاقة المتجددة: الشمس والرياح والنفايات، وهناك التقليدية وهي: الصخر الزيتي، وننقب حاليا عن النفط والغاز الذي ننتظر بيان جدواه. فكلما رفعنا المكون المحلي من خليط الطاقة نعتمد على الموارد الطبيعية ونصبح أقل عرضة للتقلبات العالمية.

وآخر محور تطرق له مطالقة، ووصفه بالمحور الرئيسي، هو منظومة تبادل الطاقة الكهربائية الذي يوجب تطوير قطاع الطاقة في المملكة لتصبح مركزا لتبادل الطاقة أكان في الغاز أو الكهرباء.

ولفت إلى أن المملكة تتميز بموقعها الجغرافي الذي يجعلها مركزا لربط الطاقة مع الدول في الإقليم، ومن هنا يأتي موضوع الربط الإقليمي بالسعودية والعراق ولبنان من خلال سوريا إضافة إلى الربط مع مصر وفلسطين.

وأكد مطالقة أن قطاع الطاقة هو قطاع ممكّن ومرتبط مع القطاعات الأخرى ويجب أن يكون منافسا، لذلك يجب الاعتماد على المصادر المحلية.

ولفت إلى أن وزارة المياه تستخدم في ضخ المياه مصادر الطاقة الكهربائية التقليدية ودعا إلى تحويل ضخها بكلف أقل عن طريق الطاقة المتجددة وطاقة صديقة للبيئة حيث أن وزارة المياه تصرف 240 مليون دينار فواتير كهرباء.

واقترح د. مطالقة على الوزارة تركيب أنظمة الطاقة الشمسية لاستخدام الطاقة الكهربائية الناجمة عنها في عمليات الضخ لتوفير هذه المبالغ الضخمة وتوجيه صرفها في تحسين البنية التحتية التي يجب أن تبنى بطرق تكنولوجية حديثة.

العبرة بالتنفيذ والإدامة ويتفق خبير الطاقة هاشم عقل مع مطالقة بوجوب تنفيذ الاستراتيجيات والخطط وقال: «كان هناك العديد من الخطط الاستراتيجيات في الحكومات السابقة ولم ينفذ أي شيء منها على ارض الواقع».

واشترط عقل لتطور قطاع الطاقة وضمان نجاح الخطط أن تقوم الحكومة بعدة أمور؛ أولها: التحرير الكامل لأسعار المشتقات النفطية وترك الأسعار للعرض والطلب وخروج الحكومة من التسعيرة نهائيا والاكتفاء بالضريبة.

كما طالب بإعادة النظر مع اتفاقيات شركات الكهرباء التقليدية أو الطاقة المتجددة والاستفادة من الطاقة الشمسية للأردن وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وشدد على ضرورة فتح المزيد من باب المنافسة في قطاع النقل واستراتيجية النقل.

ولفت إلى ضرورة العمل على إنشاء مصفاة جديدة في العقبة لوضع المملكة على خريطة المنطقة كمركز إقليمي للطاقة والنفط والمضي قدما بمشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة وجذب المستثمرين للتنقيب عن النفط الغاز.

ويرى عقل بأن قانون الاستثمار المتعلق بالطاقة يحتاج المزيد من التطوير والحرية والحوافز والعمل وأكد أهمية إيجاد طاقة تخزينية للطاقة الكهربائية للاستفادة منها.

ورأى عقل أن الأمر الأصعب هو العمل بشكل مستمر على تنفيذ خط أنبوب النفط العراقي الأردني كونه مصلحة مشتركة ومهم ومفيد للمملكة.

دور الاتحاد الأوروبي بدوره أكد مدير برامج الطاقة والتغير المناخي بالاتحاد الأوروبي عمر أبو عيد أن المرحلة القادمة تتقاطع مع الرؤية الاقتصادية الجديدة كما تتقاطع مع استراتيجية الطاقة.

وبين أبو عيد أن الاتحاد ساعد وزارة الوزارة بمراجعة التخطيط واقترح عدة سيناريوهات على رأسها أمن التزود بالطاقة وبالتالي البحث عن فرص أكبر ليكون هناك اعتماد على الذات وعلى المصادر المحلية من طاقة متجددة الذي يعد الأردن غنيا بها من شمس ورياح.

وقال أبوعيد بأن أهم ملف سيعمل عليه الاتحاد هو «التغير المناخي» وأهم مفاهيم سيركز عليها هو النمو الأخضر والاقتصاد الأخضر لدوره في تعزيز التكاملية والتشاركية بين القطاعات وبخاصة بين القطاعين العام والخاص أكانت أكاديمية أو جمعيات ومؤسسات غير حكومية ومؤسسات مجتمع مدنيوالمواءمة بين الاستراتيجات وخطط العمل، فقطاع الطاقة من أهم القطاعات الممكّنة لهذه المحاور.

ولفت إلى وجود فرص كبيرة في مجال ترشيد استهلاك الطاقة التي من شأنها جذب الاستثمارات الكبيرة وتوفير فرص عمل جديدة.

ولاحظ أبوعيد أن التوجه الجديد من 2022 حتى 2033 سيكون فيه اعتماد كبير على المصادر المحلية وعلى رأسها الطاقة المتجددة‘ إضافة إلى التكاملية مع القطاعات الأخرى، «فنحن نتحدث عن تقاطع قطاع الطاقة مع غيرها من القطاعات كالمياه والزراعة وغيرها».

معضلة تخزين الطاقة المتجددة ونبه إلى أن ضخ المياه يعتمد بشكل كبير على الطاقة الكهربائية، والمشروع الأكبر القادم التحلية ونقل المياه من العقبة إلى عمان جزء كبير من تكلفته ومصاريفه التشغيلية ستكون كهرباء.

أما فيما يتعلق بقطاع النقل أشار أبوعيد إلى التوجه العالمي والأردني نحو التحول للسيارات الكهربائية وهويبنى على التكامل بين قطاع الطاقة والنقل الذي يدعو له الاتحاد ويوائم الرؤية والفكر الجديدين للاستراتيجية الجديدة.

وبين أن ذلك يساهم في تخزين الطاقة المتجددة الذي ننادي به في المملكة، وبما انه لايوجد مشاريع كبيرة لتخزين الطاقة الكهربائية في المملكة فإن من الأهمية بمكان أن نبدأ بأهمها حاليا، وهي السيارات الكهربائية وهذا، بتقديره، لا يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فقط، وإنما يحقق التكامل مع ملف الطاقة وتصدير الطاقة المتجددة أيضا.

أما الأمن الغذائي فليس بمعزل عن الطاقة، وبالتالي هو ممكّن للأمن الغذائي الذي يتواءم مع الرؤية الاقتصادية 2033 وأوضح أبو عيد أن تعاون الاتحاد الأوروبي مع المملكة منذ 12 عاما كان يهدف إلى «مساعدة الأردن في التوجه نحو الطاقة الخضراء بشقيها: المتجددة وكفاءة استهلاك الطاقة».

ونجحنا من خلال برامج الدعم حيث أنفق الاتحاد أكثرمن 160 مليون يورو خلال 12 عاما لدعم المملكة والجهات المعنية للتحول للطاقة الخضراء بشقيها.

وأكد أبو عيد أن الأردن خطا خطوات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، ما انعكس إيجابا على التغير المناخي، كما كان له دور كبير في المشاريع الكبرى من 2014 لغاية اليوم حيث انتقلت مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من 1بالمئة إلى 28 بالمئة.

وهذا كان ضمن برامج لها علاقة بتنفيذ برامج استراتيجية قطاع الطاقة السابقة بين 2007 إلى 2020.

الأثر البيئي لاستخدام الطاقة المتجددة من جانبه يقول رئيس مجلس إدارة «جمعية إدامة للطاقة والبيئة» الدكتور دريد محاسنة إن الخطة أخذت بالاعتبار أن التطور في الطاقة المتجددة ضروري لعدة أسباب بيئيا واقتصاديا للمدى البعيد، وللأسف حتى الآن الاتجاهات الحكومية تسعى للاستفادة من الضرائب المتحققة من الطاقة التقليدية ولايوجد ضرائب على الطاقة المتجددة مع أنها قامت أيضا بفرض دينارين على كل كيلوواط.

ويؤكد محاسنة أن التحول نحو الطاقة المتجدة سيعمل على تقليص انبعاثات الكربون وإلا سنتعرض لمخالفات بيئية في حين أننا بزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة سنجد استثمارات أكثر وأموال مخصصة للمشاريع البيئية.

ويرى محاسنة أن هناك توجها إيجابيا لكنه غير سريع، وشدد على ضرورة أن تعود الأردن كما كانت مسبقا قبل 12 عاما من الدول الرائدة في موضوع الطاقة المتجددة.

شارك
الى الأعلى